صناعة العقول في مفهوم الجامعات

يتحدث الكثير من خلال طروحاتهم وتساؤلاتهم إنطلاقاً من مشاهداتهم واطلاعاتهم على قدرات وإمكانيات طلبة الجامعات المعرفية والعلمية والثقافية وطرق التفكير لديهم وخاصة بعد التخرج أخذين بعين الأعتبار الفروقات الديموغرافية والثقافية وغيرها والتي تُعد من أهم العوامل ذات العلاقة في شخصية وفكر وثقافة الفرد والمجتمع. والغالبية تؤكد على أن القدرات والامكانيات المعرفية والثقافية والفكرية تختلف مع تغير الزمن والظروف، والأدوات والتي كانت سابقاً تعتمد على الدافعية الذاتية ومصادر المعرفة المتاحة كالكتاب، والصحف ، والمجلات ، والاستفادة من التجارب والدروس والعبر وغيرها. ولكن ما نراه في وقتنا الحاضر  قد أختلف كل شىء بسبب ثورة المعلومات والتطور التكنولوجي وشبكة الأنترنت مما شكل بالمحصلة فرق كبير في طرق الحصول على المعرفة  وبناء القدرات واكتساب المهارات بين الأجيال والرامية لصناعة العقول.

 

ولكننا نسمع من الكثير من أفراد المجتمع ومن مختلف الطبقات الاجتماعية بإن صناعة العقول هي مسؤولية تقع وبالدرجة الأولى على المؤسسات التعليمية بإعتبارها المصانع الفعلية لتسليح وبناء العقل البشري بالعلم والمعرفة وطرق التفكير والمهارات وغيرها  مروراً من مرحلة الروضة لحين التخرج من الجامعة ،وحكم المجتمع أفراد وأسر ومؤسسات بالتالي سيكون على مخرجات تلك المصانع على تهيئة طلبتها الخريجين على التكيف مع متطلبات الحياة بإبعادها الشخصية والاجتماعية والمعيشية والوظيفية وغيرها. وبعد التخرج فقد استوقف أولياء الأمور من الأباء والمؤسسات والمجتمع في بعض الملاحظات لمشاهداتهم للطلبة الخريجين والتي لا تخفى على أحد وكانت في الغالب تتعلق بوجود ضعف عام بمستوى الوعي والنضج الفكري والثقافي لأبناءهم بالرغم من حملهم للشهادات الجامعية وبتخصصات مختلفة ولكنهم وبصعوبة لا يستطيعون التعامل مع أبجديات شؤون الحياة وظروفها بأفاق فكرية تساعدهم على بناء ذاتهم، ناهيك عن ضعف في ثقافة حس المسؤولية. 

إن المؤسسات التعليمية ومنها الجامعات ما زال لها الدور الكبير في صقل الشخصية فكرياً وسلوكياً على الرغم من إعتقاد البعض بإن الجامعات هي مؤسسات ذات رسالة تعليمية فقط، لا بل ما زال دورها واضحاً للعيان في رسم المستقبل الواعد بتسليح الطلبة باالعلم والفكر وتنمية المهارات الذاتية والسلوكية وجميعها تصب في صناعة جيل يتمتع بعقول ذات مستوى فكري قادر على التعامل مع مظاهر الحياة وظروفها.  ومن هنا بادرت الجامعات بتسليط الضوء على مفصل مهم في شخصية الطلبة والمتمثل بصناعة العقول سعياً منها على تغير فكر وثقافة الطلبة لتميكينهم من لعب دور حقيقي في السباق الحضاري والأدلة والشواهد كثيرة.

ونلاحظ جميعاً بإن مسؤولية الجامعات ليست مقصورة فقط على التعليم وإصدار الشهادات بل التركيز على إعداد أجيال مسؤولة تماماً أمام المجتمع مزودة بالوعي الفكري اللامحدود لتكون أجيال مفكرة ومبدعة وقادرة على تحمل المسؤولية وإستثمارهم لقدراتهم الفكرية وأفكارهم الابتكارية وتوظيفها في مشاريع إبتكارية، مع تسليط الضوء على قصص النجاح التي تحققت في هذا المجال وهي كثيرة وخاصة في ظل الانفتاح العالمي وفي جميع المجالات محلياً وعالمياً.

وعليه نرى بإن صناعة العقول التي تتطلع اليها المجتمعات أصبحت من المطالب الرئيسة لتمكين الأجيال من تجاوز مصاعب الحياة بهدف توظيفها في بناء المستقبل وفي مختلف الميادين، وبالتالي نرى بإن الجامعات هي شريك إستراتيجي في حمل زمام المبادرة لتبقى وكما عهدناها كمنارات ومحرك أساسي في توجيه وإستثمار العقول التي تخرجها التزاماً منها لتحقيق القفزات النوعية للمجتمع ولكافة مكوناته وقطاعاته. وهذا التوجه يتطلب من الجامعات التركيز على كيفية صناعة العقول بإدواتها المختلفة من بداية التحاق الطلبة  بالجامعات لحين تخرجهم وذلك ضمن برامج أو مبادرات أو أنشطة تسلط الضوء على بناء العقول لرفع سوية النضج الفكري لدى الطلبة، والتركيز على مهارات التفكير وتنميتها في مفاصل العملية التدريسية لتحسين تلك المهارات ومنها مهارة طرح وبلورة الأفكار، ومهارة التحليل، ومهارة المحاكاة وغيرها، بالإضافة إلى أطلاع الطلبة على قصص النجاح وتجارب الغير من خلال الدراسات والحالات العملية المتنوعة المحلية والعالمية لتوسيع معارف ومدارك الطلبة الذهنية والفكرية للأستفادة منها لتحفيزهم نحو بناء شخصيتهم المستقلة والناضجة فكرياً والمعتمدة على ذاتها ليكون لها الدور الريادي في المستقبل.

أن صناعة العقول أصبحت المفتاح الحقيقي لنهضة المجتمعات وتحضرها والضامن الحقيقي لبناء المستقبلٍ الزاهر بالعطاء إنطلاقاً  من عملية بناء الشخصية ذات الفكر الواعي والناضج والسلوك الايجابي ليتمكن الجميع إجتياز مصاعب الحياة وظروفها وليس الحل وكما يراه البعض بكثرة الشهادات التي لا تحرك ساكناً.