قراءة| غضبة أم جمرة نار يوشك أن يكون لها ضرام؟ .. الدلابيح بأي ذنب قتل؟


كتبه المهندس أبو الحارث خالد بدوان السمعاني.

يقول الله تعالى: { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }.

ظاهرة وسببها والحل لها .. ثلاثية اجتمعن في آية كريمة واحدة .. 

ظهور الفساد -الذي هو سوء الأحوال- وانتشاره وبشتى أنواعه، بسبب ماكسبته أيدي الناس من ظلم وفجور وفساد وإفساد.

والغاية الإلهية من ذلك: أن يذوق الناس أثر بعض ما يعملون في حياتهم من فساد وظلم، فيكون ذلك حافزا لهم ليرتدعوا ويتركوا ما هم عليه من حال أعوج لا يرضي الله خالقهم عنهم.

من جهة أخرى يمكن أن نعتبر ما نشهده اليوم من وضع اقتصادي صعب في وطننا الأردن كصورة صغيرة في معرض عالمي كبير .. وهي تطور طبيعي لأزمة عالمية بدأت منذ عام ٢٠٠٨ إبان أزمة الغذاء العالمية التي تزامنت مع الأزمة المالية والاقتصادية. والتي اندلع بسببها حينها انتفاضة جياع في إفريقيا وبعض الأجزاء في آسيا والكاريبي عصفت ببعض تلك الحكومات فزعزعت استقرارها، واستغل البعض تلك الانتفاضات لتمرير مخططات أقحمت بعض تلك البلدان فيما لم يحمد عقباه للوصول إلى السلطة. حتى أن مركز بون للأبحاث التنموية في ألمانيا نشر وقوع 50 حالة إضطراب واحتجاج وقعت عام ٢٠٠٨م.

والسؤال هنا: هل الجوع شرارة للأزمات السياسية الداخلية؟!

الجوع وحده ونقص الموارد ليس مبررا لحدوث ذلك. لكن هناك ظروف وقيم اجتماعية هابطة تجعل من الجوع حافزا لوقوع الاضطرابات والأزمات والصراعات التي قد تصبح مسلحة إذا ما وجدت أيادي خبيثة تجعل من الجوع شرارة للبدء بتنفيذ مخططات معادية للدولة والشعب.

أو بتعبير آخر: ما الذي يجب أن يتوفر لكي تتحول أزمة الفقر والجوع إلى أزمة اجتماعية تؤدي إلى مشكلة أمنية؟

الجوع ليس كافياً لتحويل الاحتجاجات بسبب ارتفاع الأسعار  إلى ثورة، لكن قد تكون مدخلا ومسوغا لإشعال فتيل فتنة عظيمة.

إن "المخزون" الهائل من الفقراء الغاضبين يشكل مصدراً هاماً تعتمد عليه المنظمات الإرهابية المتطرفة لتجنيد عناصرها، ولتنفيذ بعض الدول المعادية لأجنداتها، ولنضرب مثلاً على ذلك ما جرى من إهمال المجتمع الدولي للنزاع في الصومال في العقدين الأخيرين مما أسهم في توثيق هذه المجموعات لجسور متينة مع تنظيم القاعدة.
فالجوعى قد يستخدمون لتضخيم حجم المشكلة لكن من النادر أن يلجأوا هم أنفسهم إلى حمل السلاح، فالهرب في الغالب للبحث عن مصدر جديد للغذاء هو الطريقة المثلى لحل مشكلة الجوع لديهم.

في الأردن وقيامه بالدور العربي الأصيل في استقبال أفواج اللاجئين السوريين خاصة في السنوات الأخيرة وعملية دمجهم في المجتمع ساهم بشكل ملحوظ في تفاقم مشكلة التوزيع العادل للموارد، مما أسهم وبشكل واضح في نشوء أثقال جديدة سهلت في إنتاج وإخراج وإبراز ما نحن فيه اليوم من فتنة.
نعم هي الفتنة لا غير .. ولا بد لعقلاء الوطن من تظافر جهودهم لوقفها قبل الوصول بالوطن إلى مالا تحمد عقباه.

أرى خلل الرماد وميض نار
فيوشك أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعيدان تذكى
وإن الحرب أولها كلام
فإن لم يطفها عقلاء قومي
يكون وقودها جثث وهام

الأردن رقعة فسيحة يتسع لأكثر من مجموعة، و ليس محدوداً فهو يتسع لأكثر من عقل.
الأردن كلنا شركاء فيه، شركاء في الحقوق والواجبات والأحلام والأشواق وحتى المحن والآلام.

لا لغرس الكراهية باسم الحقوق والجوع! 
ولا لبث الأحقاد والضغائن تمهيدا للصراعات الطويلة العريضة، ولا لتأجيج الفتن، وفقدان ثقة الناس بعضهم ببعض. 
لا للغة الثورة والعصيان التي هي مدخل لخراب الديار، ووقود للنار.

إنني أحذر من دوامة عنف قد تجتاح الوطن كله، فإني لا أرى إلا سحابة سوداء لا تمطر خيراً ولا نفعاً لدين ولا دنيا، ولكنها قد انعقدت وهبَّت عليها رياح التخوين الملقحة من كل جانب.
سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، ليس لنا سوى الصبر وانتظار الفرج من الله، خير من أن تقبل أن تجند لأعمال قتل أو تخريب.

انفجار العنف استنزاف لخيرات البلد، وإمعان في الضياع، وبُعد عن خطوات الإصلاح التي لا زال يأملها المخلصون من كل الأطياف.