تنظيم الحق في التجمع السلمي

يعتبر الحق في التجمع السلمي من الحقوق الدستورية التي تقوم على أساس اجتماع مجموعة من الأفراد في مكان عمومي لمناقشة قضايا متنوعة، والتعبير بصورة جماعية عن مصالح مشتركة والترويج لها ومتابعتها والدفاع عنها. وتنبع أهمية هذا الحق من ارتباطه الوثيق بالعديد من الحقوق السياسية الأخرى التي تلتقي فيما بينها في أنها تستخدم التجمع السلمي لمباشرتها، كالحق في تأسيس الأحزاب السياسية، والحق في تأليف الجمعيات والانضمام إليها. 

 

وكغيره من الحقوق والحريات الأساسية، فقد قام المشرع الدستوري بتكريس الحق في التجمع السلمي في المادة (16) من الدستور التي تنص على أن للأردنيين حق الاجتماع ضمن حدود القانون، حيث صدر لهذه الغاية قانون الاجتماعات العامة رقم (7) لسنة 2004، الذي جرى تعديله في عام 2011، بحيث لم يعد يشترط لعقد أي اجتماع عام أو مسيرة الحصول على موافقة الحاكم الإداري المسبقة، وإنما أصبح يُكتفى بأن يقوم المنظمون بإشعاره خطيا بعقد الفعالية، وذلك قبل ثمان وأربعين ساعة من موعدها المحدد.

 

ومن خلال استعراض نصوص القانون الخاص بالتجمع السلمي، نجد بأنه قد جاء خاليا من تقرير أي التزامات أو واجبات على عاتق منظمي الاجتماع العام أو المشاركين فيه، باستثناء تقديم الإشعار الخطي، حيث اكتفت المادة (7) منه بإعطاء الحق للحاكم الإداري بإصدار الأمر بفض الاجتماع العام أو تفريق المسيرة، إذا رأى أن مجريات أي منهما قد تؤدي إلى تعريض الأرواح أو الممتلكات العامة أو الخاصة للخطر، أو المس بالسلامة العامة.

إن هذا الحكم القانوني دائما ما كان محل اعتراض من النشطاء السياسيين والحزبيين، بحجة أنه يعطي الحاكم الإداري صلاحيات واسعة بالتجاوز على الحق الدستوري في الاجتماع العام، وذلك إن كانت لديه شكوك بأن التجمع أو المسيرة ستؤدي إلى المساس بالأمن والنظام العام، أو الإضرار بالأموال العامة أو الخاصة.

وعليه، فإن المشكلة الأبرز في قانون الاجتماعات العامة تكمن في أنه لم يحدد أشكالا معينة من الأفعال أو الممارسات التي يمكن أن تعتبر من قبيل الإضرار بالأمن والسلامة العامة، والتي تكون معروفة مسبقا لدى المشاركين في الاجتماع العام أو المسيرة بأنه في حال ارتكاب أي منها ستتحول الفعالية إلى اجتماع غير مشروع، وسيكون مصيرها الفض من قبل الأجهزة الأمنية.

          وعوضا عن ذلك، فقد أصدر وزير الداخلية في عام 2011 تعليمات تنظيم الاجتماعات العامة والتجمعات والمسيرات وذلك استنادا لأحكام المادة (11) من قانون الاجتماعات العامة، حيث تضمنت المادة (2) منها مجموعة من الأفعال التي يُحظر على المنظمين والمشاركين في أي اجتماع عام أو مسيرة القيام بها، والتي تشمل عدم الإعلان عن الاجتماع أو المسيرة قبل إشعار الحاكم الإداري بانعقادها، والتقيد بالزمان والمكان المحدد في الإشعار المقدم بعقد الاجتماع أو المسيرة، وعدم استخدام أية شعارات أو هتافات أو رسومات أو صور أو رموز تمس سيادة الدولة أو الوحدة الوطنية أو الأمن أو النظام العام.

كما تحظر التعليمات الخاصة بالاجتماعات العامة حمل الأسلحة والأدوات الحادة أو أية أداة تساعد على ارتكاب الجريمة أو الإخلال بالأمن أو النظام العام، وعدم عرقلة حركة السير أثناء المسيرات، وعدم التعرض للمنشآت العامة أو الخاصة، وأن يراعى رفع العلم الأردني فقط دون غيره من الأعلام والرايات الأخرى.

إن هذه الأحكام التنظيمية على ممارسة الحق في الاجتماع العام قد اشترطت المادة (16) من الدستور أن يتم تضمينها أحكام القانون، والذي ينصرف مفهومه إلى القواعد القانونية التي تصدرها السلطة التشريعية باعتبارها تضم ممثلين منتخبين عن الشعب يمارسون السلطة باسمهم ونيابة عنهم. فلا يتوافق مع غاية المشرع الدستوري في تنظيم الحقوق والحريات أن يتقرر هذا الحق لوزير الداخلية، الذي يتفرد في وضع القيود والضوابط على الحق في الاجتماع العام في تعليمات خاصة، يكون له الحق المطلق في إصدارها وتعديلها وتغييرها في أي وقت يشاء.

لذا، فإن الحاجة ماسة إلى إعادة تنظيم الحق في التجمع السلمي وذلك من خلال تعديل قانون الاجتماعات العامة، وتضمينه الأحكام التنظيمية المتعلقة بالسلوكيات الواجب اتباعها من قبل منظمي الاجتماع العام والمشاركين فيه، والواردة في التعليمات الخاصة التي أصدرها وزير الداخلية.

فهذا المقترح التشريعي من شأنه أن يجعل كافة الضوابط والقيود الخاصة بعقد الاجتماعات العامة معروفة لدى الجميع وحجة عليهم، ومتمتعة بصفة الاستقرار والديمومة. والأهم من ذلك أنه سيتم معاقبة الأشخاص الذين سيخالفون أي منها وفق أحكام القانون، وتكون حالات فض الاجتماع العام أو المسيرة بالقوة واضحة ومعلومة مسبقا لدى كل من المنظمين للفعالية الشعبية والمشاركين فيها.

 

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

laith@lawyer.com