قراءة| الأردن بين ( الدولة الرعوية) و ( دولة المشاركة) .



كتبه المهندس أبو الحارث خالد بدوان السمعاني.

قبل أن تنتاب القاريء الحيرة في معنى مصطلح (الرعوية) أو مايتم تداوله ( الاقتصاد الرعوي أو الريعي ) فمن المفيد أن نفهم أن المعنى هو اعتماد الدولة في اقتصادها على سلعة رئيسية أو خدمة أساسية ينتجها، ويصدرها، فتشكل العوائد منها معظم دخل ذلك الاقتصاد. مع إضافة لا بد منها وهي: أن هذه السلعة أو قد تكون خدمة تحت سيطرة الدولة. 

والسؤال هنا: أين نحن في الأردن من هذا التعريف وهذا المصطلح؟!
 
خاصة أننا لسنا دولة نفطية كدول الخليج التي تعتمد في جل اقتصادها على النفط، وإن كانت ثمة دول في الخليج خطت خطوات حثيثة للانتقال من هذا الاقتصاد الرعوي، لكن نحن في الأردن قد نرفض هكذا وصف ( أو بلغة دارجة لطيفة : يا حسرة منين )! 
أين هي هذه السلعة؟. وأما المساعدات فلا شيء يذكر من مجموع الإنتاج السنوي. 
والموارد الأخرى كالفوسفات والبوتاس، تشكل عُشر اقتصاد الأردن تقريباً. فكيف نكون أصحاب اقتصاد ريعي؟!

الاقتصادي «ووريك نوليس» من جامعة درهام له رأي آخر! فهو يعتبر  أن الاقتصاد في الأردن اقتصاد ريعي! وقد صرح بهذا في كتاب له بعنوان "الأردن منذ عام 1989 : دراسة في الاقتصاد السياسي”. و المراد بالاقتصاد السياسي: السياسات التي تضعها الحكومة ومدى تأثيرها على اقتصاد الدولة.
على العموم: لماذا عام 1989 تحديدا؟
لأنه العام الذي انهار فيه الدينار الأردني. ولن ننسى أيضا أنه العام الذي عادت فيه الحياة الديمقراطية في الأردن.

 إن الأردن حين انتقل من المئوية الأولى إلى الثانية فإنه لم ينتقل بتلك السلاسة، لكن بمجموعة مفاهيم وتشخيصات اختلطت وتعاكست، وأفرزت تساؤلات حول بناء الدولة نفسها. بل يعيدنا هذا الانتقال إلى المقترح الذي وضع على الطاولة من قبل الدكتور مروان المعشر تحت عنوان: تدشين اضطراري لمرحلة بناء دولة حديثة مختلفة عن تلك الرعوية. 
في إشارة من وزير البلاط الأسبق تؤكد أنه يؤيد فيها «ووريك نوليس» في كون الأردن دولة رعوية. ويدعو إلى عملية انتقالية.. وهي عين الإشارة التي وردت على لسان رئيس الوزراء السابق عمر الرزاز حين طرح علناً شعار «الفطام عن المساعدات». وأنا على يقين أن الدكتور بشر الخصاونة يعي تماما تبعة هذا الفطام، وليس عن المساعدات فقط! بل إن الواضح تماماً أن الأردن في مئويته الثانية التزم مفهوم التحديث أصلاً، فالأردن لم يعد قادراً على البقاء ضمن منظومة الدولة الرعوية التي كانت أساس المئوية الأولى، وبالتالي فليس من الغريب صعود مظاهر مقاومة عملية التغيير إلى السطح ممن يخشون مخاطر ذلك.

إن الحكومة تدرك من خلال تتبع تصريحات فريقها أن المعركة القادمة ستكون بين اقتصاد المعرفة والاقتصاد الرعوي!

والحكومة بكافة أذرعها تدرك وترى ضعف منظومة المعرفة بسبب تفشي آليات اجتماعية بديلة ناجعة لحل المشكلات المجتمعية كالمحسوبية والمحاباة، فكيف ستقنع المواطن بجدوى المعرفة في حل مشكلات النشاط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

الأردن اليوم أحوج ما يكون إلى قيام كل مواطن بواجبه نحو وطنه بكل همة واقتدار، فعصر الدولة الراعية أو الرعوية في طريقه إلى الزوال، إذ لا يمكن لأي دولة مهما عظمت مواردها أن تقدم لجميع مواطنيها كل الخدمات والرعاية والدعم المالي. وفي مواجهة هذا الواقع الجديد المقبل لا بد من إيجاد توازن بين إمكانيات الدولة وطلبات رعاياها ولا يوجد معيار أفضل من معيار الحقوق والواجبات لتحديد الممكن في علاقة الحكومة مع المواطن، ما دامت هذه العلاقة مستندة إلى الدستور وأحكامه.

ولكي ينتقل الأردن  من دولة الاقتصاد الرعوي إلى "دولة المشارَكة”.  فلا بد من تحقيق التنمية المستدامة وإيجاد ثروات عامة وخاصة بفعل الأعمال المنتجة، ليصبح للفرد دور أساسي في إنتاج الثروة. ويصبح هم المواطن: ماذا يمكن أن أقدّم لبلدي؟، وليس: ماذا يمكن لبلدي أن يقدّم لي؟. 

دولة المشاركة تعني الانتقال من طور الدولة الرعوية (مشاركة المواطن في جزء من الثروة) إلى طور الاستعداد للمشاركة في السلطة والقرار. وهذا يعني تفعيل كل ما من شأنه ضمان ذلك، ولتصبح السلطة السياسية أكثر تعبيرا عن مجتمعاتها.